الدبكة الفضائيّة (قصة قصيرة)
(١)
"يا معشر البشر، لقد أتينا مسالمين. إن أطلقتم علينا النّار أطلقنا عليكم النّار، وأسلحتنا تهزم أسلحتكم. يا معشر البشر، لقد أتينا مسالمين، ونريد التحدث مع قائدكم."
هكذا كان الصّوت يأتي من جميع الاتجاهات، في أحد أيام الخميس، في كل مكان من الكرة الأرضية، وبلغات مختلفة واحدة تلو الأخرى. الصور على الأخبار تظهر السفينة الفضائية في السماء فوق نيو يورك.
(٢)
في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، بحضور الأمين العام ورؤساء الدول أعضاء المجلس جميعًا.
"هلو، مرحبًا، پريڤيت، ني هاو، هولا، سالو… السيد الأمين العام، السادة قادة البشر، نحن المخلوقات الفضائية نشكركم على استماعكم لنا. نحن من كوكب يبعد ١٠٠ سنة ضوئية عن مجموعتكم النجمية، وقد تم غزوه وتدميره في حروب في مجرّتنا، وما نجا منّا إلّا نحن، ونطلب اللجوء عندكم. في الحقيقة وجدنا تراب ونبات وهواء وبحار كوكبكم مناسبة لطبيعتنا، ولهذا اخترنا الأرض. إذا وافقتم، عشنا معكم بسلام؛ إذا لم توافقوا، رحلنا عنكم بسلام أيضًا."
(٣)
بعد ثلاثة أشهر
الحلّاق: "أهلاااااااً سنفور! تفضل تفضل، خليني أحلقلك! يا رجل لو كل النّاس فضائيين زيّك كل ٧ أيام بدهم حلاقة لكانت الدنيا بخير تفضّل تفضّل…"
سنفور: "فعليًّا صح، كل ٦ أيام ونصف في المعدّل، من أيّام الأرض، ولكن أنا جاي اليوم خصوصي عشان عرس جارنا خالد. حكولي العادات هيّة إنّه النّاس بتحلق قبل ما تروح عالعرس."
الحلّاق: "صحيح… صحيح… تفضّل تفضّل."
أحد الزبائن: "سنفور عفوًا انت ليش سمّوك سنفور؟"
سنفور: "ما حدا سمّاني. هذا اسمي الأرضي اللي أنا اخترته. واحنا جايين لهون، المسافة الطويلة سمحتلنا نستغل الوقت بتعلّم كل اشي بنقدر نتعلمه عن كوكبكم. بما إنّه كانت الخطة بس نوصل، وإذا تم قبولنا كلاجئين، نتوزّع بين الدّول المختلفة، عشان ما نصير أغلبية في أي بلد (كشرط توقّعناه منكم)، فقررنا نقسم أنفسنا مجموعات نتعلّم لغاتكم المختلفة، حسب بالأخير وين راح نعيش. طبعًا تعلّم لغات كوكب ثاني أوّل مرة تروحله ممكن تكون صعبة، ولكن حضارتكم اخترعت التلفزيون والراديو أصلًا، والبث بوصل للفضاء وبأغلب الأحيان ما فيه أجسام توقفه، فبتظل الإشارة بنفس قوتها. أنا اخترت العربي، وتعلّمتها من برنامج السنافر (اللي كان لطيف جدًّا)، وكنت أشوف كيف المشاهد البشري كان لازم يصف مع السنافر مع إنهم مش بشر، وضد شرشبيل حتى وهوّا بشري، فلذلك تمنّيت أكون مثل السنافر، وسمّيت حالي سنفور."
الزبون: "يا رجل هوا ظل حدا يتفرّج عالسنافر يا رجل… بعدين انت عمرك ١٢٠ سنة هاي البرامج للأطفال!"
سنفور: "ولكن هاي هيّة الفكرة صديقي — أنا مش رجل."
(٤)
** في صالة العرس، صوت الموسيقى العالي، والشباب بتدبك **
أبو خالد وهو يصيح: "سنفور! هلا والله شرفتنا! ضيفوك كنافة الشباب؟"
سنفور: "نعم، بس ما أكلت."
أبو خالد: "طيب عالأقل أكلت منسف؟"
سنفور: "كمان لأ أبو خالد، فيش عنّا احنا منسف أو كنافة. المستقبلات الحسيّة في اللسان عنّا فيها ذرّة كربون زيادة في نهاية المركّب على جدار المستقبل تؤدّي…"
أبو خالد مقاطعًا: "يعني ما فهمت — إنت فضائي أردني ولا فضائي فلسطيني؟"
سنفور: "كيف؟! 😳"
أبو خالد: "إيش؟! 😳 قصدي… خلص انسى. طيب تعال ادبك مع الشباب؟"
سنفور: "بس لازم تعلّمني، أوّل مرّة!"
أبو خالد: "ليش انت ما بتعرف تدبك! أيواااا طيب يالله يالله… تعال أعلمك…"
أحد الحضور بعد ١٠ دقائق: "والله هالسنفور مش قليل! العب شوف كيف بدبك والله ولّعها!"
(٥)
"لازم… نخلص… من الفضائيين."
"يا شرحبيل تعال تغدا"
شرحبيل: "يالله جاي جاي… هممم. كيف نخلص من الفضائيين."
(٦)
شرحبيل: "يا إخوان… احنا في مرحلة صعبة من تاريخنا. لا بل، العالم كلّه، من لمّا إجو الفضائيين عالكوكب. يا إخوان… هل يجوز الفضائي، يعيش بينّا؟ طيّب… لو بدّه يعيش بينّا، بصير يلبس زينا؟ بصير يمشي زينا بالشارع؟ لا بل أنا شفت واحد منهم بدبك تقول زي البني آدم! بعدين… احنا كلنا هون مسلمين أو مسيحيين… من متى هذول بيجو وبصير يحكيلك لا إله؟ هذا كفر عيني عينك! قال الفتوى الرسمية إنّه الله أمر البشر بالإسلام ولم يأمر الكائنات الفضائية، والقاعدة الشرعية الحد يطبّق على البشر وليس أي كائن آخر… ولكن لو كانوا فضائيين فعلًا… ليش بحكوا زينا؟ ليش بدبكوا زينا؟ إذًا لازم كمان يآمنوا زينا! أو يرجعوا عكوكبهم…"
الحضور لبعض: "والله صح يعني وجهة نظر نعم ليش لأ.."
(٧)
سنفور يحضر الأخبار
"قرّر مجلس النوّاب بضرورة لبس علامة مميّزة لكل الفضائيين، وأن ينتهوا عن ازدراء الأديان السماوية الصحيحة."
طق طق طق!
سنفور يفتح الباب: "شرحبيل؟ أهلا وسهلا، تفضّل. شوي خليني أنزّل الجاذبية بالغرفة لـ ٩.٨ عشان ما اتدوخ… أنا شخصيًّا بحبها عالية. تفضّل، تفضّل…"
شرحبيل: "آه… سنفور… أنا جاي جايبلك علامة الفضائي عشان تصير تلبسها، هديّة، وجاي كمان أدعوك للإسلام."
سنفور: "بس يا شرحبيل هاي خرافات اخترعها محمّد، حكيتلك قبل."
شرحبيل: "لو سمحت أتوقّع إنّك شفت الأخبار… ممنوع ازدراء الإسلام وإهانة مشاعر المسلمين من يوم وطالع… ولازم تآمن."
سنفور: "شرحبيل أنا مش عارف عن إيش بتحكي، أنا بحكيلك تفضّل… وين الازدراء في الموضوع؟"
عمر: "لا تنسى إنّه هذا كوكبنا، وانت الضيف بالأصل."
سنفور: "مع احترامي لكن هوّا كوكب الأسد والبطريق كمان… وإن كان ملككم، فإنتو ما خلقتوه، بل هوّا خلقكم. حقكم فيه طبيعي مش مكتسب… ومع ذلك هو حق ولذلك نحن طلبنا الإذن."
شرحبيل: "إخرس يا كلب! الله هوّا اللي خلق الجميع! وهوّا اللي خلقكم!"
سنفور: "لكن يا شرحبيل، هاي هيّة الفكرة — أنا مش كلب."
شرحبيل: "الفكرة أسلِم تسلَم!"
سنفور: "شرحبيل لا تتهوّر يا شرحبيل.. لا تتهوّر يا شرحبيل!"
(٨)
بعد ٢٠٠ سنة
سنفور الصغير بلهفة: "بابا سنفور! بابا سنفور! بعدين، إيش صار؟ إيش صار؟!"
سنفور: "يا ابني… بعد هيك شرحبيل حاول يهجم علي وكان مخبّي مسدّس في جيبته، ولكن أنا كنت عارف من الأوّل، وعشان هيك تظاهرت إنّي رايح أوطّي الجاذبية، بس فعليًّا رحت عليتها بزيادة. بس قام عن الكنباي، وكان صارلنا ربع ساعة بنحكي، داخ ووقع.
"بعد هيك صار كل البشر زي شرحبيل، بحاولوا يقتلونا، ما عرفنا نتفاهم معهم بأي شكل ولا بأي لغة، ومن يومها… من يومها الجاذبية على سطح الأرض ثبتت على 11.3 م/ث٢… إلّا خلال يوم الدبكة، عشان الدبكة أزبط عجاذبية ٩.٨ — يعني اليوم تحديدًا.
"وهذا هو أصل الدبكة وتاريخها يا سنفور الصغير، والآن خليني أعلمك إياها… رقصة جميلة جدًّا، ومفيدة للصحة. شوف إذا بتقدر تتعلّمها بأقل من ١٠ دقايق، بعطيك جائزة."